لوران غاسبار شاعر الفكر والحداثة والجمال
ثلوج، يا أيتها الثلوج، أثلجي في جسدي
أثلجي على سواد الأجنحة التي فكرنا فيها
واغمري بهواء رقصاتك هذه العوالم كلها
وقد كُسيت بكثافاتٍ راكدة لم يعبَّر قطُّ عنها
فجرِّي السعادة التي ظننا أنها
قد ابتعدت عن الزوال إلى الأبد ـ
*
اغمري بالسلام، بالصمت الخفيف،
كلَّ الطرق والحقول والبيوت وخدود الأطفال
حيث لم يسبق أن قبَّل الحبَّ أحد ـ
*
يا بساتينَ الطفولة أثلجي، أثلجي
على صحارى ذاكرة الحب ـ
كوني النضارة لما لا يُحصى من الليالي البيض
أثلجي، أثلجي على خطانا في الليل ـ
هذه قصيدة جديدة للشاعر الفرنسي من أصل هنغاري لوران غاسبار Laurand Gaspar. ولد هذا الشاعر عام 1925. درس الطب بتفوق ومارس مهنته كطبيب جراح لامع في عدة بلدان ومنها تونس.
غذته التجربة التي يضرع عطر حضارتها من أجواء البحر الأبيض المتوسط وإن كان ما زال يحمل في أعماقه ذكريات طفولة تقضت أيامها في أوروبا الوسطى، كما نلمس في قصيدته المترجمة في صدر هذا المقال.
بدأ لوران غاسبار ينشر منذ العام 1966. وتتضمن أعماله الشعرية سبعة دواوين، من أهمها (باتموس(1) وقصائد أخرى)، (اقتراب الكلمة) وتلاه (التدريب)، وسرعان ما فرض نفسه كمرجع هام من مراجع الشعر في عصرنا.
ثم أصدرت له دار النشر ذاتها، وهي غاليمار، ديواناً جديداً عام 2001 عنوانه (مختارات جديدة). أضف إلى ذلك كتاباً جديداً عنوانه (متحرك بالكلمات والألوان) ويتضمن صوراً للشاعر غاسبار التقطها في عدة مناسبات وعدة أمكنة، ونصوصاً لزميله الشاعر المحدث أيضاً جمس ساكربه: Sacrè. وهو كتاب يزخر بالطرافة والمتعة والجمال.
لا يمكننا أن نبحث في قصائد لوران غاسبار عن إيحاء آخر غير إيحاء النظر وما ينتج عنه من تعبير، هذا الإيحاء الذي كان ريلكه Rilkè ـ وغاسبار مترجم أعماله إلى الفرنسية ـ يضعه بالنسبة إلى إلهام الشاعر وتأثيره في قلب شعريته PO?TIQUE. فلا مجال إذن لأن نفاجأ بأن في إهاب غاسبار مصوراً ضوئياً عشق بخاصة هو وزميله ساكريه بلدان المغرب وما في طبيعتها من تنوع وتناقض وسحر.
***
على أن لوران غاسبار، في بعض كتبه وبخاصة منها (دفاتره) و(يوميات رحلاته)، يبدو لنا أيضاً كاتباً مفكراً لا يتوقف عن مساءلة الحياة واللغة والشعر بالصبر ذاته الذي يسائل به، في مهنته الدقيقة كطبيب جراح، خفايا الجسد البشري.
وهاهي منشورات غاليمار تعيد اليوم نشر كتابه (اقتراب الكلمة) حيث تجربة العالم تتحاور مع تجربة الشاعر في كل صفحة من صفحاته. ونلتقي في هذا الكتاب المشوِّق بكل من الشعراء الفرنسيين ميشو وآرتو والصيني لام تسو في الطريق التي خطها لوران غاسبار، ونجد فيها دوماً ما نتأمله وما نشعر به.
لا يرى شاعرنا في الجمال ظاهرة من ظواهر الحياة العادية، بل يرى فيه "الحياة حاضرة في كل شيء" كما يرى أن الشعر هو "لغة الحياة"، ومن محاسنه إنه يجدِّد كلام الإنسان ويجمِّله، ويسقي من ينظمه ويحبه من مائه النمير، ويغير تفكيره "فيما يتعلق بالأنظمة والعقائد وشؤون الحياة". ولعَمري إنه لدفاع عن الشعر وتصورٌ له يتسمان بمنتهى الصدق والمعاصرة.