الجدل في اللغة ، هو شدة الخصومة ، وجدل النور والظلام هو شدة خصوماتهما ، لتفرّد كل منهما بخاصيته وموقعه والقوى المسيطرة عليه ، ولكن الجدلية القائمة بينهما ، هي تلك العلاقة القائمة على الشدّ والجذب أحيانا ً وعلى التنافر حينا ً آخر ، فينشأ عن ذلك ما يمكن تسميته ، منطق صراع هذين المتناقضين في أطار وحدتهما ، وكلاهما يشكلان وحدة الوجود الغيبي والمادي .
وفي كتابنا المقدس ( كنزا ربا ) ، لم يحظ شيء ما بمقدار ما حظيت به موضوعة النور والظلام من تلازم واضح ، تجده في مجمل البوث ( السور ) ، وفي مضمونها أيضا ً.
فالنور والضياء هما نقيضا الظلام والديجور . والله – الحي العظيم – متقن ضياؤه ، بهي نوره ، ومن ضيائه النقي أنبثقت ملائكة التسبيح الذين لا حد ّ لهم ، وأشعاعات نوره تنبعث من بين أوراق أكليله من الأكوان ، لأنه رب أكوان النور جميعا ً ، وهو ملك النور السامي ، والحنان والتسامح والرحمة من طبيعة هذا النور ، وهو الحكمة ، وضوء الحكمة ينير قلب المؤمن ، والحي قائم في النور ، وأرض النور مثل نار تضيء على قمم شاهقة ، وكألتماعة النجوم في سماء رائقة ، أنها بهية ، كشمس أشرقت على الخمائل والجنان ، وكألق البدر ذي البهاء والأتقان ، كأنها سراج يضيء في زجاجة من بلور ، وثبّت فيها الله الأثريين (1) وملائكة النور ، وزيّنها بمصابيح تدور ، ووهبها سارية ً ، ومياها ً جارية ً ، وعطـّرها بالأريج ، وأنبت فيها من كل شيء بهيج . ولا حدّ للنور ، ولا يُدرى متى صار ، حيث قبل الأكوان جميعا ً صار الثمر العظيم .
وبأمر ملك النور العظيم ، حلّ الثمر العظيم داخل الثمر العظيم ، وبأمره سبحانه ، كان أثير الضياء العظيم ( آير زيوا ) (2) ، الذي منه كانت الحرارة الحية ، ومن الحرارة الحية كان النور ، وبقدرة الله صارت الحياة ، ثم صار الأثريون ، وبعد أن صارت الحياة ، صار الظلام ، وعالم النور فوق عالم الظلام المملوء كله بالشر والغائلة وبالنار الآكلة ،.. وفي بلد الظلام يوجد الماردون ، فيه ( هيواث )(3) ، وهي تجأر في الظلام ، وفيه الأشرار والكفار يلتحفون بالديجور ، وفيه الشر والعصيان والسحر والشعوذة ، وهي جميعها رجس من بلد الظلام .ومخلوقات عالم الظلام التي شاءها الخالق الجليل أن تكون نقيضا ً لمخلوقات عالم النور ، والشيء يُعرف بنقيضه كما يُقال ، هي أحدث من الأثريين ، ( بهاق زيوا )(4) أ
تحــــــــــــــــــــــياتي